24‏/1‏/2015

"إرادة" حنان الفتلاوي- الضوء في نهاية نفق العراق؟ - الجزء الأول

صائب خليل
23 كانون الثاني 2015

كان لتداعيات الوصول المثير للجدل لحيدر العبادي وحكومته إلى السلطة في مفاجأة سياسية قادتها كردستان بالتعاون مع المجلس الأعلى وبدعم أمريكي غير مسبوق، آثار كبيرة على مجمل الوضع السياسي للبلاد، وزاد من الشعور بالضياع والقلق بين المواطنين، خاصة من كان يدعم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي سواء في كتلته أو في الشارع العراقي. أما خصوم المالكي ومن يراه دكتاتوراً ومشكلة جديدة، وهم أكثر من محبيه بلا شك، فقد اختلطت الحيرة عندهم بفرح التخلص منه بأي ثمن وبأية طريقة كانت بغض النظر عن شرعيتها. وهذا ليس مفاجئاً ففي أي بلاد يسودها التوتر الشديد والإستقطاب الحاد، يتراجع الإلتزام بالقانون والمحاسبة الأخلاقية إلى الصفوف الخلفية من الإهتمامات الشعبية، وهذا الجو يتيح لمن تضايق مشاريعه القوانين والأخلاقيات، فرصة تحرك أكبر.


سرعان ما تبين السبب في حماس الكرد والأمريكان لحيدر العبادي، وأصابت الخيبة الشديدة من كان يأمل من التغيير تحسنا، والواقع أنها لم تكن سوى خيبة سببها "تفكير التمني". فالعبادي لم يأت بجهود شعبية إطلاقاً، بل بحركة كردستانية ودعم أمريكي (وإدارة أمريكية للعبة، بلا شك)، وهؤلاء الذين جاءوا به لا ينتظرون منه سوى أن يكون أكثر استجابة لمطالبهم ممن سبقه، رغم أن المالكي كان شديد الإنبطاح لكل من الكرد والأمريكان في تقدير الكثيرين ومنهم كاتب هذه السطور.

جاء العبادي محملاً بمشروعين كل منهما خنجر مسموم في خاصرة البلاد، وهما: الحرس الوطني" والذي هو ليس سوى تمزيق للجيش العراقي إلى جيوش محافظات، كجزء من عملية لتمزيق العراق إلى محافظات مستقلة، ودرء خطر "الحشد الشعبي" عن "داعش" التي لا يشك أي عراقي أعرفه، بأن أميركا وإسرائيل تتعاون معها لفرض شروطها على العراق وإعادة البساطيل الأمريكية على أرضه. ويأتي هذا المشروع ضمن خطة أوسع لتمزيق البلاد تشمل قوانين صلاحيات إضافية للمحافظات وفكرة "البترودولار" والسعي الشديد لعدد من المحافظات للتحول إلى أقاليم.

المشروع الثاني الذي جاء به العبادي، هو الإتفاق مع كردستان بشكل عاجل وغريب على "حل الخلافات" بتقديم كل التنازلات التي أرادتها كردستان والموافقة على كل شروطها الإبتزازية، وكانت عملية تسليم شبه فوري لمليار ونصف مليار دولار، بحجج باهتة ("كسب ثقة الطرف المقابل") والموافقة على نصوص مناقضة للدستور والمنطق حول بيع النفط وكذلك الصمت عن ديون كردستان للحكومة الإتحادية، بدت وكأنها مؤامرة كردستانية صريحة على العراق وثرواته.
والحقيقة أن المؤامرة الإقتصادية لا تقتصر على ذلك، فقد نشطت فجأة حركة خصخصة وتحطيم للشركات الوطنية المملوكة للقطاع العام، كما أن أشتي هورامي تحدث عن خصخصة ثورة النفط ذاتها حين قال أن ما يأملون به هو أن تسلم عمليات بيع النفط إلى الشركات لتقوم الحكومة باستلام الأرباح منها فقط!

لقد احتج العراقيون على ما كشف حتى اليوم من مؤامرة العبادي – كردستان – المجلس الأعلى، واصابهم القلق مما لم يكشف بعد، إلا أن رد الفعل ذاك بقي ضئيلاً بالقياس بما تنبئ به الأحداث والمؤشرات عن حجم المؤامرة وما ينتظر بلادهم في نهاية هذا الخط.

إحتج المالكي على إزاحته من السلطة التي يبدو أنه قد وعد بها إلى الأبد أو لفترة أخرى على الأقل، وقدم "التضحيات" العراقية من أجلها بسخاء كبير، لكنهم وجدوا في هذه الأثناء من هو أكثر "سخاءاً" منه، ليس في ثروات البلاد فقط، بل بالإستعداد لتحطيمها إن تطلب ذلك حصوله على الكرسي. وبعد حركتين أو ثلاثة تم إفهامه أن الأمر جدي، فابتلع كلامه عن "الإنقلاب على الدستور" و بارك "تبادل السلطة"، وقبل منصب شكلي ربما لحماية نفسه، وكذلك فعل بقية رفاقه ومن دعمه بوجه المؤامرة في البداية.

إنحنى الجميع في المعركة التي اقتنعوا كقائدهم بلا جدواها، إلا فارس واحد عز عليه أن يرى وجوه من وثق به، وقد أسرتها الحيرة وشلها الرعب من المصير المنتظر، فبقي يجالد عصابة الهاجمين يميناً وشمالاً.
كان بإمكانهم أن يردوه قتيلا بسهم من بعيد، لكنه هتف: "هل من مبارز"! فخفض الجنود اقواسهم خشية أن ينتصب دمه في ذاكرة الناس انتصاراً لا يزيله الموت، وهزيمة لهم لا يمحوها الزمن. أطلقوا عليه الكلاب والخناجر والسيوف ، فكان يرد النياب و الطعن والضرب بشجاعته ومهارته التي عرف بهما. بقي يذود عما يراه شرف كلمته وصدق موقفه في معركة بدت خاسرة، أملاً أن يغري الآخرين بجمال موقفه المشرف، فيلملم بعضاً من المترددين والخائفين واليائسين، ليعيد بهم الحياة إلى المعركة، ويهتف أنها لم تنته بعد!

حتى لو أنني لم آت باسمها في العنوان، فما من شك أن كل قرائي سيعرفون عمن أتحدث، قبل أن أذكرها. نعم إنها حنان الفتلاوي، ومهما كان الإختلاف معها هنا أو هناك، ومهما وجهنا الإنتقاد لبعض أقوالها وأحاديثها وتمنينا لو أنها كانت أكثر دقة، يستطيع كل منصف يعطي الحقائق حجمها، فلا يبالغ في هذا ويصغر في ذاك، أن يرى أن وصفها أعلاه لم يكن بعيداً عن الحقيقة، وأنها في نهاية الأمر، ربما تكون آخر الآمال للشعب العراقي بوجه هذه العاصفة الرهيبة التي لم تكد تترك قامة منتصبة واحدة بين من انتخبهم قادة له!

في هذا الجزء (الأول) تحدثنا عن الخلفيات العامة وتداعيات الهجمة الجديدة على العراق، وأشرنا بشكل رمزي إلى رد الفعل المتمثل بصمود موقف النائب حنان الفتلاوي، وفي الجزء الثاني، سنتحدث عن التفاصيل الفعلية التي ستجيب على اعتراضات المعترضين على هذا الوصف والغاضبين منه، ونتوقع كثرتهم. سنذكر بالتحديد من هي الكلاب التي هجمت، وأين عضت، وكيف رد الفارس بشجاعة وذكاء، وأين أخطأ، ولماذا بدت المعركة خاسرة وما هي الطرق المتاحة له للملمة ما يكفي من اعوان لخوض معركة حقيقية وما هي فرص الإنتصار وما هي الأخطار التي تتهدده وقد لا يدري بها.. ولماذا نسميه رغم كل شيء، الأمل الأكبر لهذه البلاد في هذه الظلمة الحالكة، ولماذا لا يسهل على الجميع أن يرى هذا "الأمل".. أو أن يرفضوا رؤيته؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق