3‏/7‏/2015

الضباع والنفط -2- ماذا يريدون وكيف نمنعهم؟



صائب خليل
28 حزيران 2015

تحدثنا في الحلقة الأولى من هذه المقالة عن لجوء النائب عدنان الجنابي في دراسته المذكورة إلى الإحتيال بالارقام وصولاً لنتائج مبالغة جداً لتشويه سمعة المجموعة السابقة التي قادت النفط العراقي، لصالح مجموعة اللصوص التي تسيطر عليه اليوم. وفي هذا الجزء الأخير نحاول لملمة الخطوط العامة للمؤامرة وأين نضع "دراسة" الجنابي المزيفة منها – ماهي اهدافهم وكيف نقف بوجهها؟


قلنا أن الجنابي بنى حساباته (بغض النظر عن زيفها) على مبدأ أن كل ما كان يمكن أن يستخرج من النفط من باطن الأرض ولم يستخرج، فهو خسارة. وبذلك فهو يتعامل مع النفط العراقي الباقي داخل الأرض، مثلما تراه الشركات، كـ "ثروة ضائعة" وليس توفيراً إقتصادياً واخلاقيا للأجيال المقبلة. الإنسان الطبيعي يهدف أن يأخذ من مخزنه ما يحتاج إليه ويترك الباقي للمستقبل، لكن الرأسمالية، وخاصة في تعاملها مع البلدان المحتلة، تنظر للأمر بشكل آخر لا علاقة له بما هو طبيعي. الهدف يجب ان يكون وفق الجنابي والشركات هو "زيادة سرعة الإستخراج" إلى الحد الأقصى وبدون أي اعتبار آخر لمدى إمكانية استعمال ثروة هذا "الإنتاج" بشكل صحيح، وكأن النفط عدو يجب التخلص منه بأسرع ما يمكن.
وقد كتبت في الماضي مقالة تكشف زيف هذا الإتجاه العام كان عنوانها "إنتاج النفط ليس إنتاجاً" من حلقتين (13) (14) وبينت أن هذا "الإنتاج" أجدر ان يسمى إستهلاكاً، فنحن لا نسمي اخذ الجبن من الثلاجة وبيعه، على انه "إنتاج للجبن" بل استهلاك له. وأن كلمة "إنتاج النفط" مغالطة مقصودة تخدم الإستهلاك الوحشي لثروات الأرض وحرمان الأجيال القادمة لشعوب البلدان صاحبة النفط، حقها في ثرواتها.

إضافة إلى هذا المفهوم الوحشي في التعامل مع الثروات فأن الذي يدفع بعدنان الجنابي، إلى مثل هذه المراوغات والألاعيب الرقمية ويفسر هذه الرغبة في المبالغة في الأضرار بفريق النفط السابق في تقديري، أن هذه العصابة تنفذ مؤامرة مفضوحة ضد ثروة النفط العراقية ابتداءاً من الإتفاق مع كردستان الذي استهلت به الحكومة الجديدة حكمها. وهذا جعل سمعة افرادها في الحضيض إلى حد أجبر المجلس الأعلى أن يحاول التملص من مسؤوليته عن الوزير المحتال عبد المهدي خشية الإنتخابات. ومن جهة اخرى تم تشكيل فريق مديح وطبول إعلامية لتبييض وجه عادل عبد المهدي قدر الإمكان، وبمستوى الدعايات المعروف لرؤساء الوزراء فقط، فتدبج المقالات حول حكمته وعلمه وفهمه وإدارته.

إضافة إلى ذلك، وهو المهم، فأن القادم الموعود سيشمل فضائح أكبر لكوارث نفطية أخرى، تتمثل في تغيير العقود وقانون النفط والكثير من الخصخصة، ستجعل وجه هؤلاء اكثر اسوداداً وتفضح ضميرهم الساقط بشكل أكبر، لذلك فلا بد من محاولة تسويد وجوه من سبقوهم لإحداث توازن وإظهار العصابة بمظهر المقبول نسبيا، يمكنهم من إنجاز مهمتهم.

وبالنسبة للنفط فأن الخصخصة التي يخطط لها أن تنتهي بتسليم الشركات كل مقاليد النفط من سياسة استخراج وتصدير والإكتفاء باستلام الريع كما صرح أشتي هورامي بأحلامه أن تتم خلال سنة (كما ذكرنا في الجزء الأول)، تبدأ بعقود "مشاركة الإنتاج" التي ضغط من اجلها الجانب الأمريكي بشكل مستمر، ومنذ تعيينه لأياد علاوي على رأس الحكومة العراقية. وتتلخص سياسة الدكتور علاوي “الكارثية” كما وصفها الأستاذ فؤاد الأمير آنذاك، بإنشاء "شركة النفط الوطنية بفكرة خصخصتها جزئياً ثم كلياً فيما بعد، وأن تعطى عمليات استكشاف وتطوير الحقول النفطية والغازية والمصافي إلى القطاع الخاص، ومن خلال الشركات الأجنبية ضمن عقود مشاركة الإنتاج. والذي اعتبره الأستاذ الأمير "امراً خطيراً بكل المقاييس...وجرأة لا يمكن تصديقها" في تبديد مصالح العراق. إنها ذات السياسة التي يحوم حولها عادل عبد المهدي ويرى عدنان الجنابي ضرورة تنفيذها في دراسته هذه! وقد برزت عقود المشاركة من خلال مسودة قانون النفط التي قدمتها لجنة الطاقة خلسة عام 2011 ، عندما كان عدنان الجنابي يرأسها، والتي قام الأمير بفضحها في دراسة وقام بالإتصال شخصياً بالنواب وأسهم في اسقاطها وإفشال المؤامرة.

فعقود "مشاركة الإنتاج" هي عقود ابتزازية تحصل الشركات فيها على اضعاف أرباحها مما في عقود الخدمة، ولا تقبل بها الدول إلا حينما لا يكون وجود النفط في المنطقة المستكشفة مؤكداً. أما في العراق فتريد هذه العصابة إعطاء الشركات تلك العقود عن حقول نفط مكتشفة وعاملة، وبالتالي لا يوجد فيها أية مخاطرة! وقد فعل ذلك اشتي هورامي سابقاً بالفعل في حقول كردستان، حتى أنه نقل اوراق حقول مكتشفة وعاملة من ملحق رقم (3) الى ملحق (4) الخاص بالمناطق غير المسكتشفة، لتبرير التعاقد حولها بعقود مشاركة الإنتاج مثل حقل كورمور الغازي (والذي هو ضمن محافظة صلاح الدين وتم الإستيلاء عليه)، وكذلك حقل طقطق الذي وصفه خبير النفط العراقي فؤاد الأمير بأنه "قد يكون أثمن اكتشاف في حقول الشمال منذ اكتشاف حقل كركوك."!

هذا ما حصلت عليه الشركات من كردستان وما تريده لبقية العراق، ويبدو أن هذه العصابة الحالية المسيطرة على النفط قد تعهدت لها بذلك مقابل ما يسيل له لعابها، وهي تحوم بحثاً عن لحظة الهجوم المناسبة. وما سعي هؤلاء ودفعهم من يتبعهم  للمطالبة بـ "قانون النفط" (مثل التيار المدني الديمقراطي الذيلي لكردستان والذي وضع تلك المطالبة ضمن برنامجه الإنتخابي) إلا من أجل شرعنة هذه العقود وتعميمها على العراق.

ويكرر فؤاد الأمير أن عقود المشاركة هي "أسوأ أنواع العقود بالنسبة للعراق" وأن انتاج العقود الحالية أكثر من كاف و "لا يمكن تصريفه لفترة قادمة طويلة جداً، لذا لا توجد حاجة لأي عقد إضافي. إن العديد ممن يحاول أن يورط الحكومة العراقية بعقد واحد فقط من عقود المشاركة بالإنتاج غرضه ان يضفي بعض "الشرعية" على عقود كردستان غير الشرعية". و "إن أكبر خطأ تقع فيه أية حكومة عراقية هو توقيع عقد مشاركة بالإنتاج حتى لو كان ذلك عقداً واحداً".
لكن وزير النفط الحالي الذي جيء به في ليلة ظلماء لمثل هذا الغرض بالذات، له توجه آخر وهو يلمح بين الحين والآخر لإمكانية عقد مثل تلك العقود، جاساً نبض الشارع العراقي، ثم يعود لينفي وينتظر فرصة افضل. ورداً على إحدى بالونات الوزير كتب الخبير النفطي أحمد موسى جياد مقالاً تحت عنوان: "عقود المشاركة بالإنتاج للعراق: فكرة خاطئة في وقت خاطئ"(15). وهو ما اضطر وزير النفط أن ينفي ذلك التوجه.

الحالة الأخرى عدا عقود المخاطرة التي يمكن أن تقبل بها الدول عقود المشاركة هي عندما تكون محاصرة لا خيار لها. فيذكر فؤاد الأمير ان العراق لم يعرف مثل تلك العقود إلا مرة واحدة حين كان صدام تحت الحصار فاضطر لها. ويبدو أن العراق اليوم قد وضع مرة ثانية تحت الحصار، ولكن من خلال "أبنائه الأعداء" في وزارة النفط ولجنة الطاقة ورئاسة الحكومة لكي تفرض عليه تلك العقود الجائرة.

خاتمة: النفط العراقي بين الشهرستاني وعادل عبد المهدي- هل الجميع "نفس الشي"؟

وعلى العكس من مقالة السيد عدنان الجنابي الهادفة لتسقيط المسؤولين السابقين عن النفط، يثني الأستاذ فؤاد الأمير على السياسة الشجاعة التي اتبعتها الأجهزة الحكومية النفطية بقيادة الدكتور حسين الشهرستاني، وأثنى على “توقيع الدورة الأولى لعقود الخدمة الفنية في 2009 وبداية 2010" والدورات اللاحقة والتي تمت "بشفافية عالية جداً وبنزاهة كبيرة لم يكن يتوقعها أحد في ظروف العراق، وخصوصاً ونحن نتحدث عن حقول نفطية عملاقة"، واعتبرها أهم إنجاز قامت به المجموعة السابقة. وقال "لم يستطع أحد أن يسجل أية ملاحظة على شفافيتها، رغم التربص العالي لإفشالها وإفشال القائمين عليها." وقال أن الأجهزة الحكومية هذه تحدت "جميع الضغوط التي مورست عليها من الأميركيين والشركات العالمية والجهات العراقية المختلفة التي كانت تريد أن تكون هذه العقود على شكل عقود مشاركة بالإنتاج.”

وكذلك اشاد الأمير بالشهرستاني لوقوفه القوي ضد عقود المشاركة في كردستان وتهريب وسرقة النفط المنتج في الإقليم وملاحقة المسروقات قضائياً، مما أفشل تلك السرقات حتى جاءت الحكومة الحالية التي تساهلت فعادت كردستان تصدر النفط المسروق من العراقيين. وبينما فشلت كردستان في السابق في تصريف ذلك النفط إلا لتركيا وإسرائيل، فإنها تصرح اليوم علانية ببيع (42) حمولة من النفط الخام بمبلغ إجمالي قدره ثلاث مليارات دولار"، بفضل الحكومة التي نصبتها على بغداد.
ونلاحظ أن الجنابي لم يكتف في "دراسته" بغض النظر عن الفساد والسرقة الكردستانيين فقط، بل واعترض على الغاء فريق النفط السابق عقداً مع اكسون موبيل. ورداً على "اسف" عدنان الجنابي يشرح الأمير ظروف تلك القضية وكيف أن أكسون موبيل بدأت بالتعاون مع كردستان بالسيطرة على حقول نفط في مناطق متنازع عليها وأخرى حتى خارج المناطق المتنازع عليه وخارج كردستان! لكن الجنابي غير معني بذلك كما يبدو، فهو وكردستان واكسون موبيل في عصابة واحدة ضد العراق.

لم تقتصر قائمة المتآمرين على الوجوه المعروفة باتجاهاتها الأمريكية مثل عبد المهدي والجنابي فقط، بل دخلت على الخط شخصيات حتى من التيار الصدري الذي كان يوماً صوت الفقراء، فصاروا ينافسون بقية اللصوص في تبنيهم الإستثمار والخصخصة في قطاع الكهرباء وكأنهم ممثلون عن الأثرياء والقطاع الخاص وليس الشعب الذي انتخبهم.

في الختام نقول أولاً: إن النفط العراقي كغيره، ثروة ناضبة، وهو بالنسبة للشعب العراقي شريان الحياة الوحيد الذي يمثل الأمل لهذا البلد بأجياله الحالية والمستقبلية وبالتالي يجب أن يعامل بكل تقديس وعناية ودقة. لكنه بالنسبة للشركات النفطية العملاقة ليس سوى كنز تحت ارض غريبة، يجب استخراجه وبيعه بأسرع طريقة ممكنة، مع اشتراط أن لا يبنى بثروته أي شيء ذو معنى للبلد، خاصة إن كان البلد عربياً، وهذا الشرط تفرضه إسرائيل على أميركا. ويمكننا أن نرى في دول الخليج العربي مثالاً، لدول ضخت من نفطها مليارات البراميل النفطية وبسرعة خارقة، ومازالت تحت حكم انظمة متخلفة ولم يسمح لأي منها أن يبني بلدا حقيقاً، بل زومبيات تنتظر نضوب النفط لتفنى من على وجه الأرض قبل أية شعوب أخرى، وهذا الموعد لم يعد بعيداً. 

يمكننا أن نلاحظ أن البعض أمثال عادل عبد المهدي وعدنان الجنابي وحيدر العابدي يتبنون ذات الموقف للشركات، ولا تظهر في حساباتهم اية اعتبارات لحاجة البلد، بل يقيسون النجاح بالإندفاع نحو اقصى سرعة لاستخراج النفط. إن ما يستخرج ويباع من نفط العراق اليوم أكثر من كاف لتنميته، لكنهم قد وضعوا للثروة مسارات لتضييعها بالفساد وعقود أسلحة لا تسلم وبطالة مقنعة وتعويضات وجيوش هائلة عديمة الفعالية وكل ما يلزم لمنع استخدام تلك الثروة في بناء البلد، فهذا شيء يقلق إسرائيل ولا يجب أن يحدث. الشعب يجب أن يفهم أنه في خطر، وأن يكف عن مجاملة هذه الضباع، وأن يرى بوضوح أن هؤلاء أعدائه العاملين على تدميره وليسوا ممثليه وأن بقاءهم كلما طال كلما ضاقت فرصة الحياة.

النقطة الأخرى المهمة هي أن الشعب يجب أن يعلم أن فكرة "جميع الساسة نفس الشي" خطأ كبير وأنها لا تخدم إلا اللصوص، ولا تدفع إلا باليأس، وقد لاتكون إشاعتها بريئة دائماً. يجب أن يعي الشعب أن اعداءه لم يكونوا يسيطرون بشكل كامل وأن بعض ابنائه المخلصين قد وصلوا بالفعل إلى موقع القرار أحياناً في بعض الشؤون كما بشأن النفط، وأن هؤلاء استطاعوا، كما هو واضح من المؤامرات الحثيثة لتحطيم إنجازاتهم وتشويه سمعتهم، وضع مسار النفط بشكل لا يرضي أعداء العراق. لقد استطاعوا بفضل وعي ضميرهم، ودعم خبراء النفط وعلى رأسهم الأستاذ فؤاد الأمير الذي يدين له العراق في رأيي بالكثير، وعدد من الإعلاميين، من وضع أسس سليمة لسياسة النفط العراقي. وهي وإن لم تكن مثالية كما نرجوها، لكنها أفضل بكثير للشعب مما يريده أو يقبل به خندق الشركات النفطية وعملاؤهم، وهاهم يرسلون ضباعهم لتخريب تلك السياسة.

ورغم كثرة لهجهم بالوطنية، يمكننا التعرف على هذه الضباع المتربصة دائما من ما يميزهم ولا يستطيعون منه خلاصاً مثل عبارات "الخصخصة"، "مشاركة الإنتاج"، "الشركات الأجنبية"، "الصداقة الأمريكية"، "حرية السوق"، وأمثالها، والتي نجحوا حتى بحقن الدستور بها. لتكن هذه العبارات علامات إنذار نميز بها هؤلاء عن المواطنين والساسة الشرفاء، إضافة إلى أحاييل الأرقام والأكاذيب في دراساتهم ومقالاتهم. فتمييز الشريف عن اللص مهم وحاسم تماماً، وليس "كل الساسة نفس الشيء".

لامجال لليأس من إسقاط هذه المؤامرة فلقد أسقطنا ما قبلها. علينا أن نحافظ على ما تم إنجازه بالتضحيات، بكل طريقة ممكنة، وأن نفضح المتآمرين و "نشرهم على الحبل"، فالوحوش الدولية الجشعة لا تشبع ابداً، وعملاؤها لا يتورعون عن شيء!

(15) -“PSC for Iraq: A Wrong Thought at a Wrong Time”:  Ahmed Mousa Jiyad. 26/2/2015

روابط إضافية:
(16) عامر عبد الجبار زيادة صادرات النفط العراقي لا تعالج عجز الموازنة ما لم تخفض السعودية من حصتها التعويضية -
(17) النفط النيابية: اللجنة بصدد الاجتماع بشركات النفط العاملة في العراق لجلب الاستثمار
(18) وزير النفط: العراق خسر 14 مليار دولار دفعها كتعويضات للشركات النفطية لسوء التخطيط


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق