19‏/11‏/2014

اتفاق النفط – غسيل أموال النهب الكردستاني للعراق


صائب خليل

مقدمة- العراقي ومفاوضات ساسته


إن إحساس العراقي عندما تتفاوض حكومته مع أية جهة أخرى، هو ذات إحساس الفسلطيني عندما تتفاوض حكومة عباس مع إسرائيل. الفلسطيني أو العراقي لا ينتظر "نتيجة مفاوضات" كما يفهمها الناس، بل يجلس منتظراً  كارثة جديدة من التنازلات الخطيرة التي تمتص دمه وكرامته، يتفق عليها العملاء الذين فرضوا على قيادته، مع سادتهم. ويصح هذا ليس فقط على مفاوضات الحكومات العراقية المتعاقبة مع الأردن حول اتفاقات النفط ، والكويت حول اتفاقات الأراضي، والسعودية حول الإرهابيين في السجون، وكلتا الدولتين السعودية والكويتية حول استغلال النفط الحدودي، بل أيضاً مع دولة كردستان، حول النفط والأرض.




 كلها خسائر وهزائم ومؤامرات على الشعب وثروته. وليس السبب غريباً او غامضاً ، فكل هذه "المفاوضات" تقع تحت إشراف الإمبراطورية الأمريكية وتأثيرها، وهي تحدد نتائجها. وتتعامل هذه الإمبراطورية بمنطق الإستغلال الإقتصادي الوحشي لمن يقع تحت يدها، أما في التعامل مع الدول العربية والإسلامية فيضاف عامل إسرائيل الذي يفرض أن لا تقوم قائمة لدولة من هذه الدول. وضمن هذه الدول ذاتها فإنها تعتبر أن العراق هو الفريسة الأكثر احتمالا للإفلات من قبضتها، ولذلك تسعى كل جهدها وإمكانياتها لتحطيمه وسلخ أكبر كم من الثروات والأراضي والمكاسب الأخرى منه وتسليمها إلى ايدي بقية تابعيها.
الإتفاق الأخير بين عبد المهدي وكردستان ليس سوى المثال الأحدث والأقسى على هذه الحالة المأساوية لشعب العراق تحت مطرقة سلطة الإحتلال الأمريكي التي لا تزول! تلك المطرقة الباحثة دوماً على أحط ما يتوفر في الساحة السياسية لوضعه في المكان الحساس الذي يستطيع من خلاله أن ينزل اشد الأذى بالشعب العراقي، خسائر وهزائم ومؤامرات على الشعب وثروته، إبتزاز العراق ابتزازاً إضافياً، تماماً كما إسرائيل والعرب.لات وابتزاز من جانب، وخضوع وخسمنذ 1963 وحتى الآن، وعلينا أن لا نتوقع سوى استمرار سياسة التحطيم وزيادتها، فالأسباب مازالت ذات الأسباب.

قد تبدو هذه الصورة مبالغ بها لمن يقرأها، لأننا تعوّدنا عرض صورة أقل حدة من الطرفين، فمن مصلحة كل من الطرفين أن تهذب تلك المأساة لكي لا يرى الشعب العراقي أي ثمن يدفعه بسبب هؤلاء وهؤلاء وإلى أية مجزرة يسيرون به.. الكاسب من الصفقة يريد أن يديم وينمي ما كسب قدر الإمكان، والخاسر لا يريد أن يفضح مذلته أمام الناس... دعونا نراجع الحقائق بخصوص هذا الإتفاق لنرى إن كنا منصفين في هذا الوصف أم ظالمين.

الإتفاق ... ماهو ؟


دعونا نبدأ بنص الإتفاق كما أعلن، مع احتمال كبير جداً أن يكون هناك اتفاقات سرية فيه، فقد أحيطت اجتماعاته بقدر كبير من السرية حتى على كبار منتسبي وزارة النفط كما سنرى في المقالة. لكن لنفترض الآن أن ما جاء في النص الذي نشره عادل عبد المهدي على الفيسبوك، والذي يتمثل بمعادلة (غامضة) بأن بغداد ستدفع لكردستان 500 مليون دولار مقابل "أن تضع كردستان تحت تصرف الحكومة" 150 الف برميل في اليوم لتصدرها.
ولنلاحظ أولاً أن الإتفاق يتحدث عن دفعة مالية واحدة، مقابل ضخ نفط لمدة لم تذكر في الإتفاق كما وصلنا، فما المقصود بذلك؟ وإن كانت المدة محددة في نص الإتفاق الرسمي فلماذا لم تعلن؟ ومن يدفع أولاً؟ هل بقيت هناك أية ثقة بأن كردستان ستفي بما تلتزم به؟ هل هو التزام لمرة واحدة أم المقصود 500 مليون بالشهر؟ وماذا عن الـ 17%؟ هل انتهى العمل بها؟ أم أن لكردستان حصة الـ 17% في الباقي، او ربما حتى في الـ 150 الف برميل؟ هذا طبعاً غير معقول، لكن كم هي الأشياء المعقولة في العراق، وخاصة في التعامل مع كردستان؟ لاحظوا أن كردستان لا تقول أنها “تمنح” بغداد النفط، بل تقول أنها تضع كمية النفط "تحت تصرف بغداد"، وهذه جملة غامضة قد تعني أن على بغداد تصدير الكمية وحساب الـ 17% منها لكردستان! دعونا لا نهمل هذه التفاصيل، فهؤلاء اعضاء عصابة واحدة، ولا ندري إن كانت هذه الحكومة تفاوض من جانب الشعب العراقي، أم من جانب من جاء بها ويجلس أمامها على طاولة المفاوضات. وكل ثغرة في الإتفاق وكل كلمة غير واضحة ستستخدم بدون أي شك لإبتزاز العراق ابتزازاً إضافياً، تماماً كما اتفاقات إسرائيل والعرب.  

طيب إن لم تبق هناك الـ 17%، فهذا يعني انفصال اقتصادي بين كردستان والعراق، وأن بغداد ببساطة تشتري من كردستان ذلك النفط بمبلغ 500 مليون دولار!
فلننظر إلى سعر هذه الصفقة : 150 الف برميل في اليوم تعني 4.5 مليون برميل في الشهر. وبقسمة 500 مليون على هذا الرقم نجد أن سعر البرميل الكردستاني الواحد على بغداد يزيد على 111 دولار للبرميل الواحد، وهو أعلى من سعر النفط الحالي في السوق العالمية بكثير، وهو في هبوط مستمر! وماذا عن الكلفة السيادية؟ هل تدفعها بغداد وحدها؟ وكلفة نواب كردستان ووزاراتهم في بغداد من يدفعها؟
وإن كان الإتفاق لمرة واحدة من أجل تمرير أزمة نقدية تمر بها كردستان لتمكنها من استمرارها في الصراع وابتزاز العراق، فلماذا يريد العراق أن يحل هذه الأزمة مع جهة تبحث له عن الأزمات لأبتزازه دائماً؟
أن ما نخشاه أكثر شيء وما نعتقد أن كردستان تسعى إليه بالذات، هو ليس المكاسب المالية المباشرة من الصفقة، بل ما تعنيه من إزالة عدم الشرعية عن النفط المهرب والذي سيتم تهريبه مستقبلاً. فهذا الإتفاق يهدف في رأينا قبل كل شيء كعملية غسيل أموال لمسروقات كردستان الماضية والمستقبلية. وقد كرر الطرفان أن الإتفاق مازال غير مكتمل، وما نتصوره أنهم تركوا تلك النقطة حالياً لجس نبض الشارع العراقي وعدم التسبب في صدمة غير محسوبة النتائج على الحكومة الجديدة.

تاريخ مستمر من الإحتيالات


إنه تاريخ طويل، كتبنا عنه كثيراً، لكن أنظروا هذا الخبر الذي نشر مؤخراً على سبيل المثال(1):
اكد رئيس حكومة اقليم كردستان نيجرفان البارزاني، ان “بغداد تريد أن تكون هي المسيطرة فقط، وهذا أمر غير مقبول من قبل كردستان لأننا شركاء في هذا البلد ولن نتنازل عن حقنا الدستوري”. واضاف البارزاني ان “الاقليم لم يمانع اذا شاركته بغداد في عملية تصدير النفط، وبقيمة البيع العالمية وبأن تتم عملية المناقصة بشكل شفاف على أن تمنح نسبة 17٪ لإقليم كردستان و83٪ للعراق”.

ما هو على السطح يبدو مقبولاً رغم أن البارزاني يبدو "شديد الحساسية" لـ "سيطرة" بغداد، لكن الحقيقة لا علاقة لها بالحساسية والسلطة والشراكة في البلد، بل أن ما يريده نيجرفان هو سرقة في الحساب لزيادة حصة كردستنان (التي تأخذ الآن مرة ونصف بقدر حصتها الحقيقية) لتحصل على أكثر من تلك الحصة بكثير. فإذا تم تقسيم النسبة من بيع النفط مباشرة، فسوف يتم تجاوز حساب الكلفة السيادية (كلفة مؤسسات الدولة التي تعمل لجميع الأطراف) التي يفترض أن تستقطع من الجميع قبل توزيع الحصص، وهذه لا يمكن حسابها إلا بأن توضع كل موارد البلد في كومة واحدة. وبالتالي فأن نيجرفان بسعيه إلى تقاسم نفطه أو موارده مباشرة دون وضعه في تلك الكومة، فإنه يأمل أن يحصل على اكثر من 25% بدلاً من الـ 17%، التي يجب أن لا ننسى أبداً أنها بحد ذاتها نسبة لصوصية حصلوا عليها برشوة اياد علاوي وأن برلمانهم نفسه يقول أنهم 12.6%.

الحكومة العراقية لم توافق (حتى الآن) على هذا الإبتزاز، لكنها لم تشرح السبب، لأنها لا تريد أن تقطع على نفسها خط التراجع وكل شيء يشير أنها تنوي التراجع. إن مجرد مطالبة كردستان بعدم إيداع الأموال في خزينة الدولة، رغم أن وزير المالية كردي الآن، أمر يثير العجب والشكوك بأن الموضوع ليس موضوع عدم ثقة بالحكومة بل أمر آخر. لم يكتفوا بسرقة الـ 17% ولن يكتفوا حتى بسرقة الـ 25%... بل سيستمر التهريب والتهرب من تنفيذ الإتفاقات. لقد أصبحوا مدمني سرقة يسترشدون بتعاليم كالبريث الذي أكد أنه قال لهم أن أية مشكلة مع بغداد ستكون في صالحهم. لذلك لن يتوقفوا إلا عندما يوقفهم أحد... ولم يفعل أحد شيئاً حتى الآن، بل أن الحكومة الجديدة تأتي وفي أول أهدافها حل "الأزمة" مع كردستان، والذي لا يمكن أن يعني سوى الإستسلام لشروطها، كما بينا في مقالة سابقة، فلماذا يتوقفون؟

الإستيلاء على كركوك وحقولها وأجهزتها


جاء في مقالة "التقرير النفطي العراقي" المعنونة "كردستان تصدر النفط من الحقول المتنازع عليها" (2) أن "حكومة كردستان تصدر الآن النفط  من الحقول التي استولت عليها من سلطة الحكومة الإتحادية، وهي خطوة تدفع بكردستان أقرب إلى الإستقلال وبعيداً عن التصالح السياسي مع بغداد.."..."وتضخ كردستان حوالي 120 الف برميل من منطقتين كانتا تحت إشراف شركة نفط الشمال التابع للحكومة الإتحادية هما قبة آفانا و حقل باي حسن." و "كان إنتاج هذين الحقلين يذهب إلى الحكومة الإتحادية في بغداد، والآن تصب المبالغ المحصلة منهما مباشرة في الخزينة الكردستانية ". "وبإضافة هذين الحقلين إلى شبكتها الخاصة، تمكنت كردستان من زيادة نفطها المصدر بمقدار 50%.. ويقول أشتي هورامي أن "المشاركة لم تحدث... من حقنا أن نبيع نفطنا"... ويقول التقرير "يطلق الكثير من الكرد على هذين الحقلين أسم "حقول مخمور" كما هو الحال في قبة خرمالة، للإيحاء بأنها تابعة لأربيل، وليس لكركوك."
وتمزج نفوط باي حسن وأفانا مع خرماله لتكون 220 الف برميل في اليوم يوجه منها 80 الف برميل إلى مصفى كلك في أربيل، والباقي يصدر في أنبوب كردستان الخاص مع 115 الف برميل من طاوقة و 50 الف برميل من طاق. وتضاف إلى الخط أيضاً بواسطة الشاحنات إلى فيشخابور 18 الف برميل في اليوم من عين زالة و صفية التي استولت عليها كردستان في سهل نينوى وكانت من حصة شركة نفط الشمال.
إذن الـ 150 الف برميل في اليوم ليست سوى جزء من النفط الذي تم الإستيلاء عليه مؤخراً، وصار يعاد إلى بغداد مقابل ثمن وبشروط!

التهريب يتوسع ويصبح للميزانية استحقاق في كردستان وليس العكس!


لما لم تتخذ الحكومة أية إجراءات جدية لوقف احتلال الأراضي وتهريب نفطها فقد وصل التهريب حدوداً مذهلة حتى أن الأستاذ حمزة الجواهري حسب  في مقالته "أصبح للميزانية الاتحادية استحقاق في نفط كوردستان"، أن ما يعود لكردستان منه أكثر من حصتها من الميزانية وأن على كردستان "إعادة مبلغ قد يصل إلى5% من عائدات النفط الذي ينتجه للحكومة الاتحادية كمستحقات للميزانية السيادية!"(3) مذكراً بأن قبة خورمالة و حقل كركوك العملاق بأكمله قد سيطر عليه الإقليم بقوة السلاح كما واستحوذ على المعدات التي اشترتها وزارة النفط الاتحادية لتوسعة الإنتاج من هذه القبة، ... كما ولدى الإقليم محاولات للسيطرة على قبة أفانا في الحقل نفسه، ومحاولات أخرى لربط الأنبوب الرئيسي من حقل كركوك وباي حسن بأنبوب كوردستان الذاهب إلى تركيا. (وهذه التنبؤات التي كتبها الجواهري في تموز الماضي، قد حدثت بالفعل!)
يختتم الجواهري مقالته محذراً الحكومة من انصياع جديد لابتزاز جديد: "ومن يساهم بمنح الإقليم أموالا من الميزانية القادمة كمن يسلب حقوقا من الشعب في المناطق خارج الإقليم ويسلمها لغيرهم، وأن المطلوب من الحكومة الجديدة والبرلمان أن يأخذوا هذا الأمر بالحسبان دون تفريط بحقوق الناس تحت أي ذريعة كانت، فليتوافق المختلفون فيما بينهم ما شاؤا، ولكن ليس على حسابنا."..
بعد شهر من هذا، تم الإنقلاب ووضع العبادي رئيساً للحكومة وعبد المهدي على رأس وزارة النفط، فحدث كل ما حذر منه الجواهري... وأضيف إلى القائمة، سرقة جديدة وإذلال جديد... وننتظر المزيد..

تفاصيل الإتفاق وسرية "المفاوضات"

 
نشر عادل عبد المهدي الإتفاق على صفحته في الفيسبوك، مبرراً إياه بأن الخلاف قد قاد "في عام 2014 الى خسارة الخزينة العراقية.. والى خسارة الاقليم" لمستحقاته من الموازنة.. وخسارة أنتاج كركوك بسبب الإرهاب الذي دمر الأنابيب واستولى على الحقول والمنشآت.. لذلك كان أمامنا: "اما الخسارة المتبادلة، او الربح المتقابل.. السياسة الاولى مدمرة وتقود الجميع الى خسائر وشكاوى وشكوك وارقام يرفضها الطرف الاخر... "(4)

والحقيقة هي أن خسائر الخزينة الأساسية جاءت من سرقة كردستان، وبتواطؤ تام مع المالكي، لكل حصتها من نفط عام 2013 كاملا، فلم تسلم كردستان قطرة نفط ، ولم تدفع الغرامة التي اقرها قانون الميزانية! واستمر الحال في عام 2014 حتى استولى الكرد على كركوك وحقولها وأجهزتها بمساعدة داعش. أما عبارة "الأرقام التي يرفضها الطرف الآخر" فهي طريقة سهلة للتخلص من "الأرقام" التي تفضح كل شيء، بعبارة واحدة! إذن لن يكون هناك بعد الإتفاق أرقام مزعجة، وستوزع الحكومة الجديدة المبالغ بدون الحسابات والوصولات التي طالبت بها حكومة المالكي. فاللصوص تكره الأرقام، ولا يختلف في ذلك بطل فضيحة بنك الزوية عن لصوص كردستان!
وقد  أعلنت الخارجية الأمريكية أنها هي من أدار ذلك الإتفاق، وهو ما يدعونا للمزيد من القلق(5). ولا نحصل على تفاصيل منشورة باللغة العربية في العراق، فنذهب إلى "تقرير نفط العراق" ونجد الكثير.

فتحت عنوان "بغداد والكرد يوقعون اتفاقاً مؤقتا للنفط " كتب التقرير: (6) اعلن المسؤولون في 14 تشرين الثاني الجاري وصولهم إلى اتفاق، تضخ بغداد بموجبه 500 مليون دولار إلى كردستان مقابل أن "تضع كردستان تحت تصرف بغداد" 150 الف برميل في اليوم. وتصدر كردستان (رسمياً) الآن 300 الف برميل في اليوم من خلال انبوبها المستقل.. لكنها بحاجة إلى المال لأن مردودات تصديرها للنفط لم تكن تغطي ما كانت تستلمه من بغداد... كان هناك حقلان عاملان في الماضي لشركة نفط الشمال الحكومية (NOC) هما "باي حسن" و قبة "أفانا"، والتي تم الإستيلاء عليهما من قبل حكومة كردستان، وهما بطاقة 120 الف برميل في اليوم تصدر الآن إلى تركيا من خلال الأنبوب الكردستاني. ويتجنب الإتفاق الإشارة بشكل واضح إلى من يمتلك الحق في تصدير النفط ، لكنه يؤسس نمطاً من التعاون تتمكن كردستان من خلاله من تصدير نفطها وتقدم بغداد دفعات شهرية على أن يسعى القادة إلى بناء الثقة التي تفتح طريق المفاوضات". وقال قباد أنه "لم يتم التطرق إلى ملكية حقلي "افانا" و "باي حسن" في المفاوضات مع عبد المهدي". (قباد طالباني الذي شارك "المفاوضات" مع عبد المهدي، كان مسؤول علاقات كردستان مع اللوبي الصهيوني في أميركا، واختار زوجته من بينهم).
ويقول التقرير أن "عبد المهدي الذي ليس له خبرة نفطية.. يرتبط بعلاقات وثيقة بالمسؤولين الكرد" وأنه "استلم وزارة تتطلب خبرة تقنية (بالنفط) وقدرة على إدارة المفاوضات".

وهنا يكشف التقرير حقيقة صارخة غير قابلة للتأويل في نهاية المقالة، فيذكر أن السيد عاصم جهاد، الناطق باسم وزارة النفط قال بأنه "لا يعرف شيئاً عن نتائج الإجتماعات سوى ما نقل عن طريق الإعلام!" و "أن عبد المهدي لم يصحب معه أي مسؤول كبير من وزارة النفط إلى أربيل!!... !"

فلماذا يتجنب وزير أن يصحب الخبراء ليستشيرهم ، خاصة وهو لا خبرة له بموضوع وزارته؟ ليس الجواب سهلاً، لذلك فإنني لم اجد هذا التصريح وهذا السؤال في الإعلام العراقي الذي تحدث عن الإتفاق! فالإعلام العراقي هو الآخر "عضو في العصابة" المتآمرة على الشعب العراقي!
 

كردستان تدفع أموالاً من أجل أذية العراق


ويكشف لنا خبير آخر حقائق خطيرة أخرى في بضعة سطور من مقالته(7)، وهي أن كردستان لم تستلم من تركيا لقاء نفطها المهرب الرخيص الثمن، إلا الـ 17% التي تمثل حصتها من بغداد، وأن تركيا تفاوض بغداد على الباقي. اي أنها تستخدم هذه الأموال التي تعرف أنها حصة الحكومة العراقية كورقة ضغط عليها لاجبارها على قرارات لا تريدها بغداد. وطبعاً فأن تسليم كردستان الـ 17% يعني سرقة الكلفة السيادية من تلك الأموال، فحسابات الحصص تأتي بعد اقتطاع الكلفة السيادية للدولة والتي تشكل كردستان جزءاً منها وتستهلك من كلفتها السيادية، وتركيا بعملها تساعد كردستان على تلك السرقة وتحتفظ بالباقي كورقة ضغط.

ولكن حتى هذه السرقة لن تغطي الفارق في السعر الذي تضطر كردستان أن تبيع نفطها المهرب به، مثلما يبيع اللصوص مسروقاتهم بأقل من قيمتها في السوق. أي أن كردستان لن تستفيد أي شيء من تلك السرقة، وأن كل تأثيرها هو أنها تضيع نصف قيمة النفط ببيعه بسعر سوق اللصوص أولاً، وتضع مستحقات العراق منه في أيدي الأتراك لابتزازه من خلالها!

كردستان لم تكسب شيئاُ من كل هذا، بل العكس، خسرت الكثير. ليس فقط في حساب علاقتها مع العراق والعراقيين، وإنما حتى بالحسابات المالية. وقد راحت هذه الدولة التي كانت تنثر الدولارات، تستدين من الدول الأخرى لتغطية تكالف معيشتها فبلغت ديونها 8 مليار دولار حسب التقرير!

تعاون كردستان مع داعش

وفي الوقت الذي يواجه فيه العراق خطر فرقة الإرهاب الإسرائيلي المسمى "داعش" التي سيطرت على بعض الحقول، وكلفت العراق ما يقدر بـ 200 مليون دولار شهرياً، نكتشف أن كردستان هي من يتعاون مع داعش لتسهيل تجارته فتسمح لهم ببيع النفط في مدنها (كان هناك خبر عن القاء السلطات على عدد من التجار، بعد أن فاحت رائحة الموضوع تماماً) وكذلك تصدير النفط عبر أراضيها إلى تركيا بواسطة الشاحنات، كما أكد قائمقام طوزخورماتو شلال عبدول(8)

وعلى عهدة الأستاذ حمزة الجواهري (مقالته: "دلالات احتلال حقول كركوك والاصطفاف ضد الولاية الثالثة"(9)) أنه "قبل سيطرة داعش على محافظة نينوى بأيام أعلن الإقليم أنه يعمل على ربط حقول كركوك بالأنبوب الكردي لتصدير النفط من خلال ميناء جيهان التركي، في الوقت الذي لم يكن هناك اتفاق مع الحكومة الاتحادية حول هذا الموضوع!" ولم تكن المنطقة تحت سلطة الإقليم .."فكيف عرفت حكومة الإقليم بما سيحدث وتعاقدت مع شركة “كار”، ذراع التآمر الفني للإقليم، لإنشاء هذا الخط من قبل عدة أشهر من الآن؟".. و"من أين استطاع الإقليم أن يتحدث بهذه الثقة بأنه سيربط هذه الحقول بخطوطه ما لم يكن يعرف أن داعش ستغير بعضا من ملامح الخارطة الإدارية في تلك المناطق؟"
 يقول الجواهري: "أترك الإجابة على هذا التساؤل للقارئ الكريم. كما وأترك للقارئ الكريم أيضا الإجابة على التساؤل الأول المتمثل بترك داعش محافظة كركوك وقفزها إلى صلاح الدين في حين تقع كركوك بين نينوى وصلاح الدين!؟"

"وها هو، الإقليم ، اليوم يستولي على هذه الحقول بقوة السلاح، ومع الأسف الشديد أن السلاح عراقي، ليكمل مشروعه بمد الأنبوب الذي يبلغ طوله27 كيلومتر من حقل كركوك وحتى أقرب نقطة على الأنبوب الكردي الذي لم نكن نعرف الغاية من إنشاءه حتى وصلنا لهذه النتيجة بعد الأحداث الأخيرة. أفلا يؤكد ذلك مرة أخرى أنه كان ما وراء الأكمة شر مستطير؟"
الكلام كان للأستاذ حمزة الجواهري، ولم يتسنى لنا متابعة تواريخ تلك التصريحات والإتفاقات وإن كان هناك تفسير آخر لها. كذلك نقول أن احتلال داعش لكركوك لم يكن ممكناً بوجود قوات تقرر الدفاع عنها، فاحتلال الموصل لم يتم إلا بضمان من جهة ما لإنسحاب الضباط الخونة الذين سحبوا قواتهم وتركوا أسلحتهم بتعاون واضح مع داعش أو من يديرها.. لكن تعاون كردستان مع داعش في تهريب وبيع نفطه أمر لم يعد موضع شك وهناك شهود عليه كما بينا أعلاه.

خاتمة


ليست هذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها فضائح العلاقة بين كردستان والعراق، وأن كردستان تتحمل حتى الخسائر من أجل أذى العراق، فقد حسب الجواهري في أحدى مقالاته السابقة أن عوائد كردستان من جراء تهريب النفط الرخيص كانت أقل مما لو أنها سلمت الحكومة العراقية أنتاجها!
كذلك فأن العقود الباذخة التي وقعتها كردستان كلفتها الكثير جداً، حيث منحت عقود مشاركة الإنتاج المشبوهة ربع النفط المنتج إلى الشركات، كما حسب خبراء النفط أن ما تكسبه الشركات من عقود كردستان كان أربع مرات ما تكسبه من عقودها في بقية أنحاء العالم لحالات مماثلة. وكانت هذه العقود مضاربة واضحة للعراق من أجل سحب الشركات الكبرى من اتفاقات بغداد التي لم تمنح الشركات أكثر من الأرباح العالمية المعتادة.
إذن فسياسة أذية العراق متعمدة، تتحمل كردستان من أجلها الأموال الطائلة، تماماً كما تحملت السعودية الخسائر الكبيرة بسياسة تحطيم أسعار النفط لحساب المؤامرات الأمريكية في الماضي وتتحملها في مؤامرات اليوم. فلحساب من تعمل كردستان ومن أجل من تضحي حتى بمصالحها وتتعاون مع داعش للحرب على العراق؟

هل هناك وصف للعمل العدواني أكثر من هذا؟ لكن لا محل للعجب، فالشخص الذي يبيع أهله لصدام ليذبحهم من أجل منافسته للحزب الآخر على السلطة، يمكن أن يفعل أي شيء! وليس أسوأ من هؤلاء إلا من يتفق من العراقيين معهم ويسير في خطتهم لتدمير وطنه وأهله، ويوقع معهم مثل هذه الإتفاقات المشبوهة، وسوف يأتي يوم يحاسب فيه الشعب العراقي كل من تآمر عليه وتسبب له بالإذلال والآلام وتحطيم الوطن..

المقالة القادمة تكلمة للموضوع ودور حكومة العبادي ولماذا جاءوا بها في هذا التوقيت.


صائب خليل

 (1) نيجرفان البارزاني: بغداد تريد السيطرة على النفط ولم نوافق على التصدير عبر سومو
(2) Kurdistan exporting oil from disputed fields
(3) حمزة الجواهري* : أصبح للميزانية الاتحادية استحقاق في نفط كوردستان
(4) عادل عبد المهدي Adil Abd Al-Mahdi
https://www.facebook.com/Adil.Abd.Al.Mahdi1?fref=ts
(5) الخارجية الأمريكية تتوسط لإتفاق بين كردستان والعراق
(6) Baghdad, Kurds strike temporary oil deal - Iraq Oil Report
http://www.iraqoilreport.com/news/baghdad-kurds-strike-temporary-oil-deal-13629/
(7) Iraq's future: It's the oil, stupid - Opinion - Al Jazeera English
http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/11/iraq-future-it-oil-stupid-201411581225438586.html
(8) العراق يتعرض لخسائر مالية ضخمة نتيجة تهريب النفط
(9) حمزة الجواهري*: دلالات احتلال حقول كركوك والاصطفاف ضد الولاية الثالثة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق